اوتاد..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

اخوتي متتبعي المدونة…لقد تم تغيير اسم المدونة وبالتالي النطاق الي الآتي:

اوتاد النفــــــس !!

awtad.wordpress.com

اليوم رقم 1…بداية التغيير

“انك حبيب التوابين…والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة”

إن هذه الكلمات هي آخر كلمات أقولها قبل كتابتي هذه التدوينة و التي تحكي عن اليوم الأول للتغيير.

.

لقد بدا هذا اليوم كأي يوم آخر من الأيام العادية المملة الفاشلة…ولكنه كان يحمل بين طياته شيئاً مختلفاً, شيء لطالما حظيت به في الأيام السابقة, ولكني لم أقم بتفعيلة وإخراجه للواقع…انه أمل التغير, بذرة انبثاق الأفضل, فكر التمرد على الوضع الصاخب الروتيني الذي أصبح من الأشياء العادية, بل من الأشياء المفروغ منها, انه بقعة النور في ظلمات اللهو, وخزة إبرة علاج التوهان الفكري الشخصي, همسة الحقيقة وخطرة الحق…انه خاطر التغير والنجاح, أو على الأقل خاطر إرادة النجاح وتحقيق الطموحات المطموسة, وملئ الفراغ الفكري و الثقافي, و البدء بنهل كل ما هو جديد – و قديم ربما !! – لمواكبة الخيال الفكري و أحلام اليقظة التي لطالما انتظرت التحقيق.

.

كانت الأيام مع اختلاف أحداثها شديدة التشابه في نظري, لكن في حقيقة الأمر أنا الذي كنت دائما و أبدا متطابقا في كل الأيام, لا يتغير أي شيء في نفسي أو في فكري, لهذا اشكر الأيام على صبرها و احتمالها لومي كل هذه المدة. و أريد أن أكافئها بالبدء بلوم نفسي التي سايرتني في مسيرة الجمود الفكري و الثقافي و الشخصي الديني.

.

لا اخفي عنكم أني مررت ببعض تلك أيام النجاح و لكنها كانت مبتورة الساقين لا استمرار لها. كانت كالابنة الوحيدة في عائلة كلها ذكور و لا أم لها, لقد كانت باقي أيامي كإخوتها الذكور بدون رحمة, لا يهتمون إلا بأنفسهم, قساةً يتمنون ذهاب أختهم لأي مكان بلا رجعة, وكان الأب قليل التواجد, لا تظهر إلا بوجوده !!.

.

لقد كان عقلي مجروراً نحو نفسي وشهواتها, وقد كانت نفسي كالبدين النهم جداً, لا ينفك أن ينتهي من الأكل حتى يأكل مرة أخرى, وكانت أفضل أطعمتها الخمول والكسل و النوم, ووجباتها الرئيسية التلفاز و الأفلام و الألعاب, وكانت تحليتها بتفاهات الفيسبوك واليوتيوب – مع يقيني التام أن لكل هذا محتوى مفيد كنت أمر عليه مرور الكرام أحيانا –  وأحيانا كانت تذهب لما هو أكثر دسامة !!.

.

قد يقول البعض أن النجاح مبتغى النفس أيضا فلماذا لا تدفعنا له ؟!. هي فعلا قد تدفعنا له, و لكن في اعتقادي إن النفس لا تحب التعب والعمل – من أحب الفرح فليحب التعب –, فإن دفعتها دُفِعت له, وان ذاقت طعم الكسل و الخمول ركنت إليهما وأحبتهما وتثاقلت على السعي إلي النجاح. فإذا ناقشتها لماذا لا تقومين و تفعلين كذا أو كذا, تملقت و تعذرت فإذا أجبرتها و قمت بما هو موجب للنجاح تفاخرت به ونسبته لنفسها. فهذا هو حالها في كل أمر و صدق القائل:

النفس كالطفل إن تهمله شب على             حب الرضاع و إن تفطمه ينفطم

.

في اعتقادي وقد اجزم أن الجميع تأتيهم تلك الخواطر بغض النظر عن الحال التي هم بها و بغض النظر عن ماهية تلك الخواطر.

و قد كان هذا الخاطر كأي خاطر مما تعرفون, يهمس لك بصوت خفيف ناعم و يجعلك تلتفت إلي عالم خيالي قابل للتطبيق ثم يتركك برفق في واقعك, فإذا تثاقلت في تصوره كواقع من الممكن تنفيذه, و صرفته بتأجيله في مخيلتك – التأجيل لص الوقت – , أو بررت عدم إمكانية تحقيقه, انصرف عنك بأمرك. و اعتقد انه قد يتردد عليك حسب إلحاح أمره, وإمكانية وجوده, وحقيقة رغبتك الشخصية في تنفيذه.

.

أما إذا استدعيت قواك و خضت في تفسيره وتحليله, وتصورت وجوده في الواقع وتجولت أكثر في تصوره, أصبح فكرة في ذهنك, فإذا قررت تنفيذه أصبح ذلك عزم, وإذا ” تقاويت ” على فعله نفذته وأصبح واقعا ملموسا.(1)

.

إن تلك اللحظة بين الخاطرة والفعل, أو الهمسة والتنفيذ لهي أهم نقطة في تحويل الخيال والخاطر إلي واقع, وهي ذروة الصراع بين أهواء النفس وطموحات العقل وواجباته, أو بين رخاوة وثقل الكسل(2) و حرية و انطلاق الفكر وتنفيذه. إنها لحظة مخاض العمل و الفعل ومن يتحكم بها أصبح سيد نفسه ومحرك فكره, فان كان سليم الفكر والعقل كانت أفعاله سليمة, أما إن كان منحرف الفكر انحرفت أعماله وأحواله.

.

وهنا يأتي دور الوعي بالخطأ و الصواب, والإدراك التام للمحرمات والواجبات و الأعمال المستحبة في الحياة علي اختلاف أنواعها, دينية, عملية, أو اجتماعية تعاملية.

.

في اعتقادي إن أهم خطوة نحو تنفيذ الفكرة أو الخاطرة هي ذكر إرادة التنفيذ – أو ربما كتابة الخاطرة أو الفكرة – والبدء بالتنفيذ دون تردد, وهذا تماما ما حصل معي. فبعد انتهاء الصراع المضني بين عقلي ونفسي, قلت إن الوقت قد حان للتغيير, وقد آن الأوان لترك كل تلك ” الرعونات ” وراء ظهري, والسعي وراء التنوير الفكري والديني, فماذا كان أول شيء لي لأفعله…

.

في الحقيقة لطالما اعتبرت الغسل من أفضل البدايات, بغض النضر عن موجباته فالغسل واجب أو مندوب كبداية للدخول في الإسلام, وهو موجبٌ للطهارة الظاهرة والتي هي من واجبات طلب الطهارة الباطنية وهي أهم شيء – كما قلنا – فطهارة الباطن و الفكر و سلامة السريرة أهم, قبل البدء بالتحكم بالأفعال.

.

إن الغسل في حقيقته التجاء للخالق, عالم السر والنجوى, بيده القلوب يقلبها كما يشاء سبحانه.  وكما تعلمون أن أول شيء في الغسل وفي كل العبادات هو النية…هي سر الأفعال ومحلها القلب, وهي كالإشارة المرسلة لتطهير القلب من الاغيار و الأهواء, و كالرسول الذي يقول للعقل آن أوان رفع الدنس ليتأهب العقل و يترك كل شوائبه و أدرانه.

.

هنا وفي هذه اللحظة بالذات تدفقت الأفكار كما تدفق ماء الصنبور بلا توقف, وكانت تتناثر علي من كل جانب من جوانب الفكر والعمل, وكنت راجيا ألا تخبو تلك الأفكار و تنضب, كما يذهب الماء و يجف.

.

بعدها قمت بغسل يدي, رمز الفعل والقوة, رمز العطاء والبطش, وكأني بذلك قمت بتطيرهما و تنقيتهما لأذهب بهم برسالة الطهارة ومسح النجاسة الباطنية الفكرية قبل الظاهرية الجسدية.

.

وبعد فراغي من الغسل توضأت و خرجت وإذا بي قد أزلت ذلك الحمل الثقيل المتسخ عن قلبي و فكري وجسدي, وتصافحت مع نفسي و اعتنقت المستقبل, الذي أرجو من الله أن يكون مليئاً بالنجاح في كل ناحية من نواحي الحياة.

.

ذهبت من فوري إلي الصلاة ملجئ اللاجئين وباب المتقربين لله رب العالمين, وقد كان وقت صلاة المغرب, فصليت المغرب و أدركت بعد عدة نداءات أنني وحيد في المنزل…و آه من الوحدة. تلك اللحظات الخاصة التي يشعر فيها الشخص بالحرية المطلقة أو فلنقول “بالفلتان” المطلق, ليبرر لنفسه فعل كل ما يحلو لها, وكأنه كان مقيدا بوجود الناس من حوله, أو ربما هو كذلك, لان للنفس أهواء لا تستطيع تنفيذها في وجودهم, وفي عدمه تنهار كل تلك المبادئ و العهود.

.

لقد خلا لي الأمر و حلا لي الفعل فلا رقيب لي الآن, إلا عقيدتي و إيماني إن كانا قويان وإلا…فقط أنا.

في ظل ذلك اللجوء لله بعد الصلاة لم يكن من خياراتي أن أبدء باللهو والمرح, وانقض العهد قبل أن يبدأ, فتعوذت بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم, فألهمني له الشكر و المنة بالتوبة…

.

بغض النظر عن كل تلك الأشياء الفقهية المهمة التي تقال عن التوبة, لقد كانت التوبة بالنسبة لي العهد الحقيقي بيني وبين نفسي, العهد الذي ابتدأت بنوده بوجوب التغيير والبدء بطلب مسببات النجاح.

.

إن التوبة في مضمونها تسامح مع النفس و إزالة للوحشة و طلب للغفران من كل ذلك الخطأ و التقصير الساحب إلي قاع الضياع الفكري و العملي. إنها طلب للغفران من خطايا الجموح الشهواني الذي لا طائل له, إنها طلب للغفران من التقصير الفكري و التوهان الثقافي الذي طال أمده. إنها الرجوع لمسبب الأسباب, مقلب القلوب, ميسر الأمور. يا ربي مني النية و منك التوفيق والكل من فضلك.

.

“سبحانك وحاشاك ربي أن توفقني للتوبة من كل خطاياي وتقصيري و تردني خائبا, فتب علي إلاهي, انك حبيب التوابين…والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة”

.

لقد أتى بنا المطاف أحبتي في الله إلي نهاية اليوم الأول للتغيير, الذي كانت بقيته هذه الأسطر التي بين أيديكم و أمام أعينكم, و التي أتمنى إنها كانت بمستوى تفكيركم الراقي, و التي ألهمني الله أن اكتبها لكم, ليس لغرض القراءة والتعليق فقط, و لكني كتبتها لأشارك من قد تفيده مشاركتي المتواضعة, والتي هي تجربة واقعية لشاب مثلكم, وهي في بادئ الأمر وقبل كل ذلك رسالة لنفسي وعهد بيني وبينها للتغيير و التصحيح, و جدير بي أن أقول و أن اشدد على أن الأيام القادمة قد لا تأتي كما أتخيل او يتخيل البعض ولكنها ستكون من صنع تحركاتي و على قدر اجتهادي, وكما يقدر الله لي و بتوفيق منه, وكما قال الشاعر:

على قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ              وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أسال الله الكريم أن يثبتني على ما يحب هو ويرضى, والحمد لله رب العالمين.

.

.

ـــــــــــــــ

(1) ينطبق هذا على الخواطر السيئة أيضا ولكن بالعكس فعن إبراهيم الخواص انه قال: ( أول الذنب الخطرة فإن تداركها صاحبها بالكراهية وإلا صارت وسوسة, فإن تداركها بالمجاهدة وإلا هاجت منها الشهوة مع طلب الهوى, فتصد العقل و العلم والبيان) أي انه لا نفع للعلم بخطورة الشيء أو بحرمته مادامت الخطرة و الوسوسة والشهوة مسيطرة و لم يتم التصدي لها.

(2) الكسل هو ميراث شبع النفس, و المعنى هنا هو إشباع كافة رغبات النفس و عدم صدها و إيقاف شهوتها, فإذا شبعت النفس طغت واستحكمت. ودوائها هو التجويع, أي عدم تحقيق رغباتها وقتل حظها من كل شيء, و فعل ما تريد ولكن ليس لأجلها, ونفي الفعل عنها و نسبته للتوفيق الإلاهي. ومن أدويتها أيضا مصاحبة أهل الجد و النشاط مع الانتباه لخطر الرياء و الحياء, و التدقيق على الباعث على عمل الأشياء. و كما يقال, الكسل مفتاح الفقر.

.

مراجع:

عيوب النفس وادويتها, للامام ابي عبد الرحمن السلمي.

فقه العبادات على المذهب المالكي, تأليف كوكب عبيد.